見出し画像

川端康成ノーベル賞受賞講演(アラビア語訳)

1968年12月12日にストックホルムで行われた川端康成のノーベル文学賞受賞講演を全アラビア語訳しました。
私が世界で初めて(←この部分自称)日本語からアラビア語に訳し、ネイティブチェックを受けたものです。
実際の講演(日本語)は以下のサイトで閲覧可能です。

川端康成は詩を含む様々な古典から引用しつつ、「日本の心」について述べています。
その「日本の心」に特有の語彙(例えば「無念無想の境」や「内に目覚める悟り」など)をどう訳すかが最も難しかったことに加え、私のその解釈が正しいか否かもよく分からなかった文章もいくつかあります。

でも、かなり頑張った渾身の力作なので、以下公開します。
お楽しみください。



أنا وسط جمال اليابان 

 

أنا أحيانًا أكتب قصيدتين عندما يُطلب مني كتابة الخط بالفرشات وهما؛

(الزهرة في الربيع وطائر الوقواق في الصيف والقمر في الخريف وأتذكر الثلج والجو البارد في الشتاء)

للراهب دوجن (١٢٠٠-١٢٥٣) بعنوان جوهر القلب الأصلي،

و(القمر في الشتاء الذي يظهر من الغيوم ويتبعني يجعلني أشعر ببرد الرياح والثلج)

للراهبة ميوي (١١٧٣-١٢٣٢).

 

ووضحت الراهبة ميوي ما قصدته في هذه القصيدة في مدخلها الطويل والمفصَّل كما يلي وقد أستطيع أن أسميه بحكاية شعرية.

بليلة يوم ١٢ من ديسمبر في عام ١٢٢٤، كنت أتأمل (الزن) في صالة الأزهار وكانت السماء غائمة وكان القمر خافتًا. وعندما حل منتصف اليل وخرجت من الصالة واتجهت إلى غرفتي، وجدت القمر قد ظهر من بين الغيوم وسطع ضوءه في الثلوج. وكان ذئب يعوي في وادٍ، ولكني لم أخف منه جدًا بفضل مرافقتي القمر. ودخلت إلى غرفتي وخرجت منها مرة أخرى فوجدت القمر غائمًا. وبعد ذلك، سمعت صوت دق الناقوس الليلي فاتجهت إلى الصالة، إذ ظهر القمر من الغيوم مرة أخرى وسار معي. وعندما كنت سأصل إلى الصالة، لحق القمر أيضًا بالغيوم وكان سيغرق خلف قمة الجبال، وجعلني أشعر أنه تبعني والآخرون لا ينتبهون لذلك.

وهنا تلت ميوي ذلك الشعر وقالت؛

عندما أصل إلى الصالة على القمة وأرى القمر أيضًا يصل إلى القمة المقابلة كل ليلة، أعزز الصداقة بيني وبين القمر الذي يود الدخول وراء القمة مثلي.

وانعزلت ميوي في الصالة طوال الليلة أو دخلت إلى الصالة مرة أخرى قبل شروق الشمس وقالت؛

عندما فتحت عينيّ أثناء تأمل الزن وجدت القمر يتلألأ في السماء ويضيء الشباك أمامي. وشعرت بقلبي الصافي بفضل ضوء القمر لأنني جلست في الظلام، وقد يظن القمر أيضًا أن هذا بفضله عندما يجد القلب الصافي يتلألأ في الظلام.

 

ويسمي بعض الناس الراهبة ميوي بشاعرة القمر بينما يسمي البعض الشاعر سايغيو بشاعر الكرز، ولميوي قصيدة بريئة أدرجت فيها مشاعرها وهي؛

(القمر منير منير ومنير منير منير ومنير منير منير أيها القمر)

وفي القصائد الثلاث للقمر الشتائي والتي ذكرت ميوي فيها الأوقات من منتصف الليل حتى شروق الشمس، وصفت ميوي اندماجها في الطبيعة حيث تصبح ميوي التي تشاهد القمر القمرَ ويصبح القمر الذي يشاهد ميوي ميوي، وتتبع قصائدها نموذج الشعر الياباني وفي الوقت نفسه استخدمت فيها كلمات يومية. عبرت عن إحساسها أن القمر يرى ضوء القلب الصافي للراهبة الزنية التي تتأمل في الصالة المظلمة بوصفه ضوء القمر نفسه.

كما يتضح في المدخل الطويل لشعر (القمر في الشتاء الذي يتبعني)، تلت ميوي قلبها المتأمل في صالة الجبال والذي يتداخل ويتبادل معها القمر. فأحب هذه القصيدة وأخطها لأنني أرى فيه تعاطف ميوي. قصدت أيها القمر تدخل إلى الغيوم وتخرج منها وتضيء موضع قدميّ وتجعلني لا أخاف من عواء ذئب، ألا تشعر ببرد الثلوج والرياح؟ وأكتب هذه القصيدة باعتبارها شعرًا يابانيًا مثاليًا يتبلور فيه تعاطفها اللطيف والعميق والرقيق مع الطبيعة والإنسان. واعتبر الدكتور ياشيرو يوكيو الذي يُعرف بدراسته عن بوتينشيلي وفهمه العميق للفن في كل العصور والأماكن أن صداقةً مع صديق في فصول الثلج والقمر والزهرة إحدى صفات الفن الياباني. كلما يرى الياباني جمال الثلج أو القمر أو الزهرة، أي كلما يستيقظ الياباني بفضل رؤية جمال الفصول ويسعد بالشعور به، يبدو للياباني أن صديقه عزيز عليه ويتمنى أن يشارك سعادته معه. بعبارة أخرى، يثير الانفعال العميق بجمال العواطف تجاه صديق. وقد نستطيع أن ندرك الصديق هنا بوصفه الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، في اللغة اليابانية تقليديًا، نستخدم كلمات تعير عن جمال الطبيعة والإحساس الإنساني باعتبارها كلمات تعبر عن جمال الفصول الأربع متمثلةً في الثلج والقمر والزهرة. وهذا يتطابق مع مراسم الشاي الياباني من حيث مبدأ الصداقة في فصول الثلج والقمر والزهرة؛ وإن جوهر مراسم الشاي اجتماع الأصدقاء الطيبين في الوقت الطيب. بالمناسبة، من الخطأ القول بأني وصفت جوهر الشاي الياباني وجماله في روايتي سيمبازورو، بل أبديت في هذه الرواية الشك في الشاي الذي شاع في اليابان بشكل سيئ.

 

(الزهرة في الربيع وطائر الوقواق في الصيف والقمر في الخريف وأتذكر الثلج والجو البارد في الشتاء)

قصيدة دوجن هذه أيضًا تصف جمال الفصول الأربع، ويعدّد دوجن فيه مناظر ممثلة لكل فصل بشكل بسيط، وقد تعتقدون أن هذه القصيدة ليست شعرًا بل كلامًا عاديًا. ولكن هناك راهب آخر ترك قصيدة قبل موته يقول؛

(ماذا أستطيع أن أترك بوصفه تذكاري؟ الزهرة أو طائر الوقواق في الربيع، أو أوراق القيقب في الخريف)

والشاعر هو الراهب ريوكان (١٧٥٨-١٨٣١) وعدّد فيه أشياء مألوفة بكلام بسيط وغير أنيق مثل دوجن. وأرى أنه وصل إلى جوهر الجمال الياباني بفضل تعديده الكلمات البسيطة بدون تردد، بل بذل جهدًا لذلك. إنها آخر قصيدة في حياته.

 

(استمتعت بالحياة حين لعبت الكرة مع أطفال في ضباب الربيع)

(النسمة رقيقة والقمر صافٍ وأتمنى الرقص معهما طوال الليل حينما أعيش)

(لن أقول إني أنعزل عن العالم ولكني أتفوق على الآخرين لأني ألعب لوحدي)

كما عبر ريوكان عنه في هذه القصائد الثلاث، عاش في صومعة الناسك ولبس ملابس متواضعة وتمشى في الحقول ولعب مع الأطفال وتحدث مع الفلاحة واعتقد أن عمق الدين والأدب يتمثل في الأقوال والأفعال البريئة وليس في شيء معقد. وسما عن العادات والسلوكيات اليابانية وتمكن من الفنون الرفيعة القديمة في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ويتم تقديره من حيث الكتابة والشعر. وقال ريوكان الذي عاش هكذا إنه لا يستطيع أن يترك أي شيء ولا يريد ذلك، ولكنه يتمنى وجود الطبيعة الجميلة بعد موته في آخر قصيدة في حياته. تتمثل العواطف اليابانية التقليدية وإيمانه في هذا الشعر.

 

(جاءت المحبة التي انتظرتها بفارغ الصبر وقابلتها ولم أعد أستطيع التفكير في شيء)

من بين قصائد ريوكان قصائد الحب مثل هذه، وأحبها. وقع في حب عميق مع الراهبة تيشن التي كانت في التاسعة والعشرين من عمرها، عندما وصل إلى التاسعة والستين من عمره. وحصلت على جائزة نوبل عندما كنت في هذه السن بالمناسبة، وأرى أن هذه القصيدة تعبر عن سعادته باللقاء مع المرأة المقدَّرة أو عن سعادته بمجيء المحبة التي انتظرها بالصبر. تتمثل سعادته في بيت (لم أعد أستطيع التفكير في شيء).

وتوفي ريوكان عندما كان في الرابعة والسبعين من عمره. ولد في بلاد إيتشيغو، أي بلاد الثلوج مثلما وصفته في رواية بلاد الثلوج، وهي تقع في جهة مقابلة للرياح الباردة التي تأتي من سيبيريا عبر بحر اليابان، وأمضى معظم حياته هناك. وأظن أن صاحب العينين الصافيين هذا الذي خرِف وعرف أنه سيموت قريبًا، رأى جمال الطبيعة في بلاد الثلوج هذه بشكل أجمل من الآخرين الأحياء. وأنا كتبت خاطرة عنوانها (عيني اللحظات الأخيرة)، واستعرت هذه الكلمات من وصية آكوتاغاوا ريونوسوكي (١٨٩٢-١٩٢٧) الذي انتحر. جذبت كلمات عيني اللحظات الأخيرة قلبي في وصيته. وقال؛

أنا (الذي قد يفقد القوة الحيوانية تدريجيًا وهي تسمى بقوة الحياة) أعيش في العالم العصبي المرضي الذي يصفو كالثلج. لا أعرف متى سأتجرأ على الانتحار. ويبدو لي أن الطبيعة جميلة أكثر مما كانت عليه. وقد تضحك من كلامي المتناقض وأنا أحب جمال الطبيعة وأحاول الانتحار. ولكن الطبيعة جميلة لأني أراها بعيني اللحظات الأخيرة.

وفي عام ١٩٢٧، انتحر آكوتاغاوا عندما كان في الخامسة والثلاثين من عمره. وكما كتبت في خاطرتي عيني اللحظات الأخيرة (مهما كره الدنيا، ليس الانتحار إدراكًا روحيًا. مهما كانت أخلاقيته رفيعة، يقع المنتحر بعيدًا عن القديس)، لا أقدر المنتحرين آكوتاغاوا ودازاي. وأيضًا عندي صديق توفي عندما كان شابًا، وهو كان رسامًا رياديًا، تمنى الانتحار شابًا وكان أحيانًا يقول (لا فن أفضل من الموت) و(الكون الميت هو الحياة). وظننت أن أفكاره في الموت تختلف عن المنظور الغربي لأنه وُلد في عائلة المعبد البوذي وتخرج من المدرسة البوذية. ويقول بعض الناس (مَن يفكر في شيء يفكر في الموت) ويخطر الراهب إكّيو (١٣٩٤-١٤٨١) في بالي في هذا السياق وقد حاول الانتحار مرتين.

يُعرف الراهب إكّيو بحكمته في حكايات الأطفال اليابانية وتنتشر النوادر عن أفعاله الغريبة وغير المقيدة. ويقال إن الأطفال يجلسون على ركبتيه ويفرُكون لحيته والطيور يأكلون طعامًا من أيديه، ومن المفترض أنه كان راهبًا في منتهى البراءة والحميمية، ولكنه في الحقيقة كان راهبًا صارمًا على نفسه ومتدينًا تديّنًا عميقًا. ويقول بعض الباحثين أنه ابن الإمبراطور آنذاك، ودخل إلى معبد بوذي عندما كان في السادسة من عمره وتفتقت موهبته الشعرية وشك في الدين وأصل الحياة وحاول الغرق في بحيرة قائلًا (إذا كان الله موجودًا فانجِدني، وإذا لم يكن الله موجودًا فأغرقني واجعل الأسماك شبعى) فأُوقفت محاولته. وبعد ذلك عندما انتحر أحد الرهبان في معبده واُعتقل بعض الرهبان الآخرون، شعر بالمسؤولية ولجأ إلى الجبال وامتنع عن الأكل وقرر الموت. وسمى مجموعة قصائده بمجموعة الغيوم الحمقاء وكذلك أعطى نفسه لقب الغيم الأحمق. وفي مجموعة الغيوم الحمقاء والمجموعة التالية ترك قصائد صينية مؤلفة في اليابان في العصور الوسطى ونسيبًا وغزلًا لعوبًا لا مثيل له على اعتبار أنه كان راهبًا. خان شكلية الدين آنذاك وأكل أسماك وشرب خمرًا ولاحق البنات وانتهك أحكام الزن والحرام وربما نوى إعادة بناء جوهر الإنسان وسط فوضى الحروب مما كان قد أدى إلى انهيار قلوب الناس.

وما زال معبده دايتوكوجي الذي يقع في موراساكينو في مدينة كيوتو رئيسًا في مجال مراسم الشاي ولا تزال لوحته المرسومة بحبر السومي قائمة في غرفة المراسم هناك. وأنا أيضًا عندي لوحتاه المرسومتان. وإحداهما مكتوب عليها (عالم البوذا سهل الدخول إليه وعالم الشياطين صعب الدخول إليه). ويحب قلبي هذا القول فأكتبه بخطي أيضًا أحيانًا. وله عدة تفسيرات ولا نهاية لها لو فكرت فيها، يعجبني القول الإضافي (عالم الشياطين صعب الدخول إليه) الذي يلاحق القول (عالم البوذا سهل الدخول إليه).

 

وأرى أن الأمنية والرعب والدعاء الذي يمثل فيه القول (عالم الشياطين صعب الدخول إليه)، يتمثل في أعمال الفنانين الذين يستهدفون الوصول إلى ذروة الحق والخير والجمال. لا عالم للبوذا بدون عالم الشياطين وهو أصعب في الدخول إليه، أي تحتاج إلى القلب القوي حتى تدخل إلى عالم الشياطين.

 

(أقتل البوذا عند مقابلتي البوذا، وأقتل أبوَيَّ عند مقابلتي أبوَيَّ)

إن هذا القول الصارم معروف باعتباره قولًا خاصًا بطائفة مساعدة النفس البوذية بينما قال الراهب شينران من طائفة مساعدة الآخر البوذية (حتى الطيبون يذهبون إلى الجنة ناهيك عن السيئين). وقد يتطابق هذا القول مع قول إكّيو عن (عالمَيْ البوذا والشياطين)، ولكني أرى أنه لا يتطابق. وبالإضافة إلى ذلك، قال شينران (ليس لي تلميذ). ويمثل القولان (أقتل أبويّ عند مقابلتي أبويّ) و(ليس لي تلميذ) قدرًا صارمًا للفنانين.

ليست طوائف الزن وثنية. تجد تماثيل البوذا في معابد، ولكن ليس في صالة الزن تماثيل أو رسوم أو الكتاب المقدس، بل يتأمل الرهبان بلا صوت أو حركة لمدة طويلة. ويصلون إلى ذروة انعدام الشعور والتفكير، أي يفقدون الذات ويصبحون كائنات هلامية. وليس هذا الهلام هلامًا غربيًا، بل يتماثل السماء والقضاء وهو لا نهائي وبلا حدود. ويتعلم الرهبان الزنيون الزن الكلاسيكي من خلال الأسئلة والأجوبة مع المعلمين، ولكنه يجب أن يصلوا إلى ذروة اللاشيء بنفسهم. ومن الجدير بالذكر أن البديهة أهم من المنطق. أي اليقظة الروحية لكل الرهبان أهم مما تعلموا من المعلمين. لا تُعلم الحقيقة ولا تُوصف بكلام الإنسان كما قال الراهب الهندي يويما إن الصمت متين كالرعد. واستمر الراهب الكبير داروما (راهب في القرن التاسع، وأمير الهند الجنوبية، وسافر إلى الصين) في الجلوس أمام الحائط الصخري في كهف ما والتأمل هناك لمدة ٩ سنوات حتى وصل إلى ذروة اليقظة الروحية في نهاية التفكير كما يسمى بالتسعة أعوام قبالة الحائط. وتأمل الزن أصله تأمل الراهب داروما هذا.

 

(تجيب لما تُسأل ولا تجيب لما لا تُسأل أيها السيد داروما، ما الذي يكون في قلبك) إكّيو

وترك إكّيو قصيدة الأخلاق وتقول؛

(ما الذي يسمى بالقلب، وأستمع إلى أصوات الرياح في غابة الصنوبر المرسومة بحبر السومي)

ويتمثل هذا القول في الصور الشرقية كما قال جين نونغ (من يرسم فرع الشجرة يشعر بالريح في الصورة)، وكذلك قال دوجن (إدراك الطريق من صوت البامبو بدون رؤيته وتنوير القلب بزهرات الخوخ). وقال المعلم البارز لفن تنسيق الأزهار إكينوبو سينكي (١٥٣٢-١٥٥٤) في (التقليد الشفهي) (وصف جوهر الأنهار والجبال بفروع الأزهار والمياه القليلة، وإضافة نكهة التقلبات في لمح البصر. وهذا كأن سحر عائلة فناني تنسيق الأزهار.). وأيضًا يمثل البستان الياباني التقليدي الطبيعة الكبيرة، إذ تم تصميم البستان الأوروبي بشكل متناسق بينما يتم تصميم البستان الياباني بشكل غير متناسق، وهذا ربما بسبب أن عدم التناسق يستطيع الرمز إلى شيء أكبر. ويتوازن عدم التنسيق هذا بفضل حساسية اليابانيين المرهفة. ولا كيفية بستنة صعبة كالبستنة اليابانية من حيث التعقيدات وتعددية المغازي والدقة. على سبيل المثال، وفق كاريسانسوي والذي يمثل طريقة البستنة التقليدية، يضم المصممون الصخر والحجر حتى يعبروا عن الجبال والأنهار وحتى الأمواج المندفعة في البحر. ويتمثل هذا الجوهر في بونساي وهو فن غرس الأشجار المصغرة وتربيتها في أوعية.

وكلمة سانسوي معناها الجبال والأنهار حرفيًا، أي معناها مناظر الطبيعة وأحيانًا تعني صورًا تمثل منظر طبيعي أو البستان، ولها حتى معنى العِتق والرثاثة. وتتبع مراسم الشاي مبدأ السلام والاحترام والنقاء والعتق وينعكس على هذا ثراء القلب، وتحتوي غرفة مراسم الشاي الصغيرة والمتواضعة على الاتساع المطلق والفخامة اللانهائية في الوقت نفسه. إن زهرة واحدة أكثر تألقًا من مئة زهرة. كما علّم إكّيو لتلاميذه ألا ينسقوا الزهرات المنفتحة تمامًا، يُنسق برعم زهرة واحدة على أرض غرفة مراسم الشاي. في الشتاء مثلًا، يُنسق برعم صغير للكاميليا البيضاء. اللون الأبيض أكثر نقاء من أي لون آخر ويحتوي على كل الألوان. ويندَّى هذا البرعم بقطرات ماء. والأكثر فخامة هو الفوانيا في خزف السيلادون في مايو، ولكنه برعم مبلل.

ولا يُبلَّل البرعم فحسب، بل أحيانًا تبلل فخار المزهرية.

على سبيل المثال، فخار كويغا (حوالي القرن الخامس عشر والسادس عشر) الذي يُعتبر أنه يحتل المرتبة العليا من بين فخار المزهرية، يطلق جوًا حيويًا عندما يبلل كأنه يستيقظ. يُشكل هذا الفخار بالحرارة العالية، ويلصق رماد الوقود به ويصبح هذا الجزء صقيلًا جنبًا إلى جنب خفض الحرارة. ولا يستطيع الخزاف تصميم شكل اللمعان، بل إنه عمل طبيعي في داخل الموقد مما يشكل فخار متعدد الألوان والمظاهر. ويتألق جسد فخار إيغا الخشنة وغير المنمَّقة عندما يبلَّل، ويتوازن مع قطرات الماء في البرعم. وكذلك تبلَّل الطاسات لشرب الشاي قبل المراسم ويُعتبر ذلك اعتدالًا في المراسم.

وقال إيكينوبو سينكي في التقليد الشفهي إن (مظاهر الحقول والجبال والأنهار كما هي) تشكل جوهر طائفته الجديد، وحتى خزف مكسور وفرع جاف هو ذروة التألق. وأضاف قائلًا (نسق القدماء الزهرات حتى وصلوا إلى الذروة). وهذا كان استيقاظ الإحساس الجمالي الياباني الذي أثر عليه الزن. وربما كان أرواح الناس الذي عاشوا وسط فوضى الحروب الطويلة آنذاك. تحتوي أقدم ديوان في اليابان إيسي مونوغاتاري (تم نظمه في حوالي القرن العاشر) على قصة تنسيق الزهرات للشاعر أريوارانو ناريهيرا ليضيف ضيفه تقول؛

شخصيته متفهمة، وكان في المزهرية أزهار وستاريا نادرة. وكان طول باقتها ٦ أشبار.

إن باقة الوستاريا التي تصل طولها ٦ كبيرة وخارقة للعادة ولا تُصدَّق، ولكنها تمثل الثقافة اليابانية في عصر هييآن. تتفتح أزهار الوستاريا بشكل رفيع ونسائي ويتدلَّى طرفها ويتمايل مع النسائم بشكل رقيق ومتواضع ولين. وتظهر الباقة وتختفي من بين الأوراق اليانعة في مطلع الصيف وهذا كأنها تمثل ثقافة التقلب اليابانية، ومن المفترض أن الباقة جميلة للغاية إذا كان طولها في الحقيقة يصل إلى ٦ أشبار. استوعب اليابانيون ثقافة الصين قبل ١٠٠٠ عام مما ولّد فخامة ثقافة هييآن حين تم تأسيس مفاهيم الجمال في اليابان، ويبدو لي أن هذه معجزة كتفتح الوستاريا النادرة. في عصر هييآن، ظهرت أشهر الأعمال الأدبية القديمة كأول ديوان تم نظمه بأمر إمبراطوري، ديوان كوكين شو (٩٠٥)، وروايات إيسي مونوغاتاري وغينجي مونوغاتاري لموراساكي شيكيبو (٩٧٠-١٠٠٢) وماكورانو سوشي لسيشوناغون (٩٦٦-١٠١٧) وتم تأسيس مفهوم الجمال في هذه الأعمال وأثرت على الأعمال الأدبية للأجيال القادمة لمدة ٨٠٠ عام بل سيطرت عليها. وإن رواية غينجي مونوغاتاري أسمى رواية يابانية طوال تاريخها، ولم نجد رواية مثيلة لها حتى في العصر المعاصر، وكذلك هي معروفة في العالم باعتبارها معجزة عالمية لأنها رواية طويلة حديثة كُتبت في القرن العاشر. وأنا أيضًا قرأت كثيرًا من الأعمال الأدبية في عصر هييآن على الرغم من أنني لم أفهم اللغة القديمة جيدًا، وتتغلغل رواية غينجي مونوغاتاري في أعماق قلبي. لقد اشتاق الروائيون اليابانيون إلى هذه الرواية وحاولوا تقليدها لمئات الأعوام. واستمرت رواية غينجي مونوغاتاري مصدرًا للجمال في كل مكان وزمان في اليابان.

كانت كل الروائيات في هذا العصر كموراساكي شيكيبو وسيشوناغون وإيزومي شيكيبو (٩٧٩-سنة الوفاة مجهول) وآكازومييمون (٩٥٧-١٠٤١)، خدام في قصر الإمبراطور. كانت ثقافة عصر هييآن تزدهر في القصر فقط، وكان مركزه الخدم من النساء. وكادت ذروة الازدهار تنخفض عندما حين كُتبت الروايتان غينجي مونوغاتاري وماكورانو سوشي، ويتمثل تفتح ثقافة هييآن الإمبراطورية في هاتين الروايتين. وبعد ذلك ضعفت قوة الإمبراطور وظهرت طبقة الساموراي التي حصلت على السلطة الإدارية في عصر كاماكورا (١١٩٢-١٣٣٣) ودامت عصور الساموراي حتى عام ١٨٦٨، أي لمدة ٧٠٠ عام. ولكن ثقافة القصر وعائلة الإمبراطور لم تنقرض، بل تطورت. على سبيل المثال لا الحصر، ديوان شين كوكين شو (١٢٠٥) والتي تم نظمه بأمر الإمبراطور في مطلع عصر كاماكورا، تهتم بالجو السحري كالأشعار الرمزية الحديثة، وتطورت الأساليب التقنية مقارنة بمجموعة الأشعار كوكين شو، وتجد فيها التلاعب بالألفاظ. وكان الراهب سايغيو (١١١٨-١١٩٠) شاعر ممثل في عصري هييآن وكاماكورا.

 

(أتأمل أنه أتى في حلمي لأنني نمت وفكرت فيه. ولو عرفت إنه حلم فلم أستيقظ منه)

(آتي إليك في أحلام كل ليلة، ولكنها ليست جميلة كما أراك في الواقع)

إن هاتين القصيدتين للشاعرة أونونو كوماتشي من مجموعة كوكين شو، وتصف أحلامها فيها، ووصفها واقعي. ولكن بعد هذه المجموعة ظهر أسلوب جديد.

(يغرد العصافير في غابة البامبو ويشعرني غروب الشمس أن الخريف قد حط رحاله ولم يحل بعد)

(يخترق نسيم الخريف العظام في الحديقة ويختفي ظل غروب الشمس في الجدار)

تمثل هاتين القصيدتان للإمبراطورة إيهوكو مونئن رموز الحزن المرهف الياباني، فلذلك أفضلها.

عاش الراهب دوجن لقصيدة (الثلج والجو البارد في الشتاء) والراهبة ميوي لقصيدة (القمر في الشتاء الذي يتبعني) في هذا العصر، وتبادلا قصائدهما وتحدثا بها.

كان الراهب دوجن دائمًا يأتي وقال (ليس أسلوب أشعاري عاديًا. إذا شاهدت الزهرة والوقواق والقمر والثلج وكل شيء فتكون عينيّ وأذنيّ مليئة باللاشيء. وأشعر أن كل أشعاري ليست كلامًا حقيقيًا. لا أفكر في الزهرة إذا تلوت شعر الزهرة، ولا أفكر في القمر إذا تلوت شعر القمر. تلوت الأشعار هكذا مجرد بتبع جوهر الأمر والقدر. يلون قوس القزح السماء الخالية وكذلك توضح الشمس الساطعة السماء الخالية. ولكن السماء الخالية في أصلها ليست ملونة أو ساطعة. وألون المظاهر في قلبي كالسماء الخالية ولا شيء يبقي لي. وإن الشعر جوهر البوذا.)

يوصف اللاشيء أو السماء الخالية في اليابان والدول المشرقة هنا أيضًا. ويقول بعض الباحثين أن أعمالي أيضًا تمثل السماء الخالية، ولكن مصطلح العدمية الغربية ليس مناسبًا لها. أرى أن جوهرهما تختلف عن البعض.

وكما يكون عنوان أشعار دوجن (جوهر القلب الأصلي)، كان ضليعًا في الزن وتلا جمال الفصول الأربع.